بين الالتزام بالقوانين والخصوصية.. اعتقالات جماعية في حفلة مختلطة تكشف تصاعد القمع الاجتماعي بإيران
بين الالتزام بالقوانين والخصوصية.. اعتقالات جماعية في حفلة مختلطة تكشف تصاعد القمع الاجتماعي بإيران
في حلقة جديدة من سلسلة المداهمات الأمنية التي تستهدف التجمعات الاجتماعية الخاصة في إيران، أعلن مدعي عام الثورة والشؤون الجنائية في مدينة كارون بمحافظة خوزستان، جنوب غربي البلاد، عن اعتقال 18 رجلًا وامرأة بتهمة "إقامة حفلة مختلطة وتناول المشروبات الكحولية".
ونقلت وكالة مهر التابعة لمنظمة الدعاية الإسلامية، عن المدعي العام محمد أمين أذرنوش قوله إن ملفًا قضائيًا قد فُتح لهؤلاء الأفراد، مشيرًا إلى أن التحقيقات التكميلية لا تزال جارية، وأوضح أن قوات الأمن تدخلت بأمر قضائي بعد ورود معلومات عن إقامة مناسبة ترافقت مع تقديم مشروبات كحولية وإحداث ضوضاء.
وأضاف أن السلطات صادرت كميات من مختلف أنواع المشروبات الكحولية، مؤكدًا أن إقامة مثل هذه الحفلات التي تسيء إلى مشاعر سكان كارون وتنتهك القوانين والقيم الإسلامية في إيران لن يتم التسامح معها، وسيُتعامل قانونيًا مع المسؤولين عنها.
حملات متكررة ومناخ متشدد
تأتي هذه الواقعة في إطار حملة مستمرة تشنّها الأجهزة الأمنية الإيرانية منذ أشهر ضد الحفلات الخاصة والتجمعات الشبابية التي تعتبرها السلطات غير منضبطة أخلاقيًا، وتشير تقارير حقوقية إلى أن هذه الحملات تزايدت منذ منتصف عام 2024، في ظل تشديد الرقابة الاجتماعية وتوسيع ما يعرف بسياسات الحجاب والعفاف التي تحولت إلى إحدى أدوات الضبط الأيديولوجي في البلاد.
وخلال الأسابيع الأخيرة فقط، أفادت مصادر قضائية وأمنية إيرانية باعتقال العشرات من المواطنين في مدن عدة بتهم مشابهة، بينها جزيرة كيش، حيث أعلنت السلطات في 5 أكتوبر عن توقيف منظمي حفلة حملت اسم "قهوة-بارتي" بعد انتشار مقاطع فيديو لها على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما تم الإعلان عن إغلاق 21 منشأة تجارية في كاشان، وإغلاق مطعم تقليدي في خرمآباد، ومكان إقامة سياحي في قضاء كالات، إضافة إلى مقهى بارون في شارع إستخر بطهران، في سلسلة إجراءات وصفتها وسائل الإعلام الرسمية بأنها تطبيق للقوانين الشرعية بينما تراها منظمات المجتمع المدني تضييقًا على الحياة الخاصة.
القانون الإيراني والعقوبات المشددة
تُعتبر المشروبات الكحولية في إيران محظورة رسميًا منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وينص قانون العقوبات الإيراني على أن استهلاك الكحول يُعد جريمة يعاقب مرتكبها بـ 80 جلدة في المرة الأولى، وفي حال التكرار يمكن أن تُفرض عقوبة الإعدام وفق ما يسمى بـ"حدّ الخمر".
ورغم هذه القيود، ينتشر في السوق الإيراني ما يعرف بـ"الكحول المهرب"، وغالبًا ما يؤدي استهلاكه إلى حوادث تسمم جماعية، وتشير تقارير إعلامية محلية إلى تسجيل مئات حالات الوفاة سنويًا نتيجة شرب مواد كحولية مغشوشة بسبب الحظر المفروض على إنتاجها وتداولها.
ويرى خبراء حقوقيون أن العقوبات القاسية لا تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، خصوصًا تلك المتعلقة بالحق في الخصوصية والحرية الشخصية.
انتهاك الخصوصية واتهامات بالتحكم الأيديولوجي
تعتبر منظمات حقوق الإنسان أن المداهمات الأمنية للحفلات الخاصة تمثل انتهاكًا صريحًا لحقوق الأفراد في الحياة الخاصة، كما أنها تعكس التحكم الأيديولوجي المتزايد من قبل السلطات الإيرانية في سلوكيات المواطنين.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران (مقرها أوسلو)، في بيان سابق، إن استهداف التجمعات الخاصة والشبابية وفرض قيود على الملبس أو الاختلاط بين الجنسين هي أدوات لإحكام السيطرة السياسية على المجتمع، وليست تدابير دينية كما تدّعي السلطات.
وأضاف البيان أن مثل هذه الإجراءات تتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تعدّ إيران طرفًا فيه، والذي ينص على أن لكل شخص الحق في الخصوصية والحياة الأسرية من دون تدخل تعسفي أو غير قانوني.
وفي المقابل، تبرر السلطات الإيرانية هذه الممارسات بأنها جزء من حماية القيم الإسلامية والأمن الأخلاقي للمجتمع، مؤكدة أن أي تساهل مع ما تسميه التصرفات غير اللائقة قد يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي.
الحجاب والقيود الاجتماعية
تأتي هذه التطورات في سياق أوسع من تشديد ما يسمى بالقبضة الأخلاقية على المجتمع الإيراني، بعد عامين من موجة الاحتجاجات التي اندلعت إثر وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022 أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بتهمة سوء ارتداء الحجاب.
ومنذ ذلك الحين، عززت السلطات من تطبيق قانون العفاف والحجاب، وشددت الرقابة على اللباس والسلوك العام، سواء في الأماكن العامة أو الخاصة، وتشير تقارير إعلامية إلى أن الحكومة أطلقت منذ سبتمبر الماضي مرحلة جديدة من الرقابة الذكية تشمل كاميرات مراقبة متصلة بقاعدة بيانات أمنية لتحديد المخالفين لأنظمة الحجاب.
ويقول مراقبون إن المناخ الاجتماعي الإيراني يشهد تحولًا متزايدًا نحو الرقابة المحافظة، بالتوازي مع محاولة السلطة السياسية إحكام السيطرة على المجال العام بعد تراجع معدلات المشاركة السياسية وتزايد الغضب الشعبي بسبب الأزمة الاقتصادية وتدهور الخدمات.
تصاعد الانتقادات الدولية
تواجه إيران منذ سنوات انتقادات متكررة من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية بشأن انتهاكات حرية التعبير والخصوصية الفردية.
وفي تقريرها الأخير، أعربت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، عن قلقها من تزايد القمع الاجتماعي، مؤكدة أن اعتقال أشخاص بسبب لباسهم أو مشاركتهم في تجمعات خاصة يمثل انتهاكًا صارخًا لالتزامات إيران الدولية.
كما أشار تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2025 إلى أن السلطات الإيرانية تستخدم ذريعة حماية الأخلاق العامة لتبرير انتهاكات خطيرة، من بينها الاعتقال التعسفي والجلد والإغلاق القسري للمنشآت التجارية، وفرض قيود على حرية التنقل واللباس.
تسعى السلطات الإيرانية، وفق المراقبين، إلى فرض انضباط اجتماعي شامل يتجاوز المجال العام إلى تفاصيل الحياة الخاصة، بينما يرى المدافعون عن الحريات أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا متصاعدًا لحقوق الإنسان الأساسية.











